الحلقة الخامسة : بناء الدولة الأولى
وصلنا المرة اللى فاتت عند كلام علماء الميثولوجي وبعض المؤرخين اللى قالوا ان سيدنا إدريس هو اللى بنى الهرم الكبير .. طب ليه بناه ؟ لإنه علم ان عمره قصير وخاف ان العلم يرفع معاه .. فقال يبني بناء عظيم يسجل عليه كل العلوم بحيث تبقى متاحة لكل الناس .. واحد يقوللى طب ما كان يكتبها على جلد حيوانات وخلاص لان مكنش فيه ورق ساعتها ليه التعب دا ؟ الاجابة على السؤال دا بتتلخص فى ان الهرم فى حد ذاته اشبه بمشروع تخرج بيجمع فيه اكتر من علم.. الهندسة والحساب والفلك والفنون و الطب وغيرهم .. بالاضافة الى انه كان حابب يعمل حاجة تكون متاحة لأى حد .. فالهرم دا عامل زى السبورة وهضبة الهرم أشبه بالمدرسة .. وكان الطلاب بيتوافدوا عليه علشان يتعلموا مجالات مختلفة .. كمان كانت فيه مشكلة قابلته خلته ميقدرش يدون كل العلوم والمعارف على جلود الحيوانات .. المشكلة دى ان ربنا عاقبهم بتحريم أكل اللحوم و شرب الخمر و تذوق السكر !! .. عقاب وامتحان فى نفس الوقت .. عقاب على ان جزء كبير من المؤمنين انحرفوا وراحوا ارض نسل قابيل .. و امتحان علشان نشوف مين هيثبت ويسمع كلام ربنا و مين هيتبع شهواته ..
وبالمناسبة .. النظرية دى تخلينا منستغربش من كيفية بناء الهرم .. انت بتتكلم عن واحد طوله 30 متر .. يعنى احجار الهرم دى كان بيلعب بيها سيجا .. بالاضافة لمزيج العلوم الرائعة اللى توفرت فى زمانهم اللى خلتهم يبنوه بالعظمة والاحكام دا ..
طب واحد يقوللى لا ياعم مش لاعب .. احنا من اول ما اتولدنا واحنا عارفين ان الاهرامات مجرد مقابر .. الاجابة على السؤال دا ببساطة انى مقولتش ان سيدنا ادريس هو اللى بنى الهرم .. انا قلت ان علماء الميثولوجى اللى قالوا كدا ومعاهم بعض المؤرخين .. فأنا مقدرش اقول كلامهم صح ولا غلط .. بالاضافة الى ان معظم التاريخ الفرعوني مبني على الاستنتاجات والافتراضات .. اجتهادات يعني .. فمثلا ممكن تلاقى فى كتب ان حابى دا إله النيل .. وكتب تانية تقولك دا كان ملك من الملائكة مختص بالنيل .. ممكن تلاقى كتب بيتكلموا فيها عن الإله ( حك ) إله السحر .. وكتب تانية تقول دا كان ملك السحر .. كل دى مجرد اجتهادات .. وبعض العلماء قالولك كتير من الالهة كانوا انبياء ثم تم تقديسهم لحد ما عبدوا ..
خلاصة ما قرأته فى الموضوع دا استنتجت منه حاجة ( وقد اكون مخطىء ) .. استنتجت ان الحضارة الفرعونية الاولى كانت حضارة توحيد .. وانها مرتبطة بسيدنا ادريس .. ودا اللى يفسر حجم المعابد الضخم .. تلاقى المعبد بإرتفاع عمارة مش ودا الغريب .. الغريب ان شبابيك المعبد بتلاقيها فوق جدا .. يعنى مينفعش نقول ان الفراعنة كانوا بيبنوا المعابد ضخمة علشان يبقالها هيبة وتظهر عظمة الالهة .. لإنهم حتى لو كانوا عملوها ضخمة علشان كدا فكان طبيعي انهم يعملوا شبابيك منخفضة علشان يقدروا يفتحوها .. فهم كانوا بيبنوا المعابد بالحجم دا و شبابيكها بالارتفاع دا لإنها كانت مناسبة لحجمهم وقتها .. ودا برضو اللى يفسر وجود هياكل عظمية عملاقة فى الاقصر .. طول الواحد مننا اقصر من طول جماجم الهياكل دى ..
كمان هتلاقى حاجات مشتركة بين العقيدة الاسلامية وبين الحضارة المصرية القديمة .. مثلا لو قريت فى الميثولوجيا المصرية القديمة هتلاقي الإله ( أتوم ) .. ودا رمز بداية الخليفة .. ودا بيوازى ( آدم ) عندنا .. كذلك ( آتون ) الإله الأوحد .. ودا يشير الى ( الله ) عندنا .. والشمس كانت تشير الى انه فى مكان عالى واحنا فى مكان منخفض .. كذلك ( رع ) و ( نون ) يشير الى ( الله ) .. وفيه آلهة كتير تغيرت اسمائهم لكنها كلها بتشير الى الاله الاوحد . و( تحوت ) رسول الآلهة .. ودا بيشير فى ثقافتنا إلى سيدنا ( جبريل ) ..
عموما هنتكلم عن الحضارة الفرعونية لفترة طويلة اوى مستقبلا ان شاء الله .. والكلام دا مجرد مسح زور زى ما بيقولوا .. اللى يهمنى اوى فى الحلقة دى اننا نتكلم عن شكل الدولة زمان .. وايه الاختلاف بينها وبين الدولة الحالية .. وانهى شكل المفروض نتبعه ..
شكل الدولة زمان كان النبي بيكون فيها الحاكم والمشرع والقاضى .. يعنى بيمسك السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية .. والتشريع بيكون عادة بأمر إلهي إلا فى امور الدنيا البحتة .. زى مثلا الضرايب .. فالدولة زمان كانت دولة ثيوقراطية بسيطة اشبه بقبيلة عايشة فى الصحراء لكن الحاكم فيها نبى من انبياء الله .. الدولة الثيوقراطية هى الدولة اللى بيحكمها رجال الدين .. وكلمتهم نافذة لإنهم بيتكلموا بإسم الإله ..
لما اعداد البشر زادت .. الموضوع مبقاش سهل زى الاول .. فتطور شكل الدولة من الدولة الدينية او الثيوقراطية البسيطة الى شكل جديد .. دولة ثيوقراطية معقدة .. فكان البشر موجودين فى مناطق كتير .. مصر والشام و الحجاز والعراق .. كل تجمع بشرى فيهم كان مسئول عنه شخص .. قد يكون نبى و قد يكون شخص عادى .. لكن قائد الدويلات دى كلها كان نبى من انبياء الله .. والجديد فى الدولة دى ان كل نبى بدأ يعين قادة الصف التاني تحته .. مبقاش يتابع كل كبيرة وصغيرة بنفسه ..
تطور الموضوع اكتر .. الاعداد زادت اكتر .. فوصلنا لنوع جديد من شكل الحكم .. الدولة الثيوقراطية الحديثة .. ودى بقى الكلام اختلف فيها شوية .. رئيس الدولة بقى واحد عادى مش نبى .. تحته وزراء و ولاة .. لكن السلطة اللى اعلى منه فى الدولة هى السلطة الدينية .. ودى كان على رأسها نبى من الانبياء .. ودا اللى يفسر شكل الحكم فى كتير من الحضارات فيما بعد .. الحضارة الفرعونية كمثال .. الفرعون الجديد علشان يمسك الحكم كان لازم ياخد مباركة الكهنة .. وكان نفوذهم فى معظم تاريخ الدولة اكبر من نفوذ فرعون نفسه .. وكان النفوذ دا بيقل بالتدريج لحد ما وصل لأدنى مستوياته فى عهد النمرود اللى اعلن نفسه إله .. وهنجيله بعد كدا بإذن الله ..
واستمر الحكم الثيوقراطي على مدار التاريخ .. عندك مثلا هتلاقى داوود وسليمان .. كانوا ملوك وانبياء .. وقبلهم صموئيل النبى هو اللى اختار طالوت ليكون ملك على بنى اسرائيل .. فكانت له الكلمة العليا على الملك نفسه .. وأخيرا .. اخر دولة ثيوقراطية فى تاريخ الانبياء هى الدولة الاسلامية الحديثة اللى أسسها النبى محمد صلى الله عليه واله وسلم .. دولة دينية .. الحاكم فيها نبى وبيستمد قوته من كلمة الله .. فكل أمر بيقوله واجب النفاذ بتكليف وتوجيه من الله .. لكن كان شكل الدولة الاسلامية الحديثة فى منتهى الذكاء .. فالنبى محمد مكانش شايل اعباء الحكم لوحده .. كان معين له 2 من الوزراء ساداتنا ابو بكر وعمر .. و مجلس استشارى ضخم من الصحابة الكفء الثقات .. فنقدر نقول كدا على دولة النبى محمد انها كانت دولة ثيوقراطية تكنوقراط .. بالاضافة إلى انه ظهر فيها ( ولاول مرة فى النوع دا من الدول ) مبدأ الشورى كمنهج لادارة التشريعات الحياتية .
كذلك لو بصينا لتاريخ اوروبا .. هتلاقى الكنيسة كانت مسيطرة على كل حاجة لحد ما انتهت المهازل دى بدخول اوروبا عصور العلم .. هتلاقى ان الكنيسة كان ليها سلطات مطلقة .. اللى كان بيقول اى حاجة متعجبش الكنيسة كانت رقبته بتطير او بيتصلب او بيتحرق .. وكلنا عارفين اللى حصل لجاليليو لمجرد انه قال ان الارض هى اللى بتلف حول الشمس مش العكس .. دى برضو نوع من انواع الدولة الثيوقراطية .. لكن انا شخصيا بسميها دولة الدراويش .. واى دولة متحترمش العلم هى دولة دراويش ..
طيب انت دلوقتى بتقول ان الانبياء كلهم حكموا فى ظل دولة ثيوقراطية .. دينية .. هل الكلام دا ينفع معانا دلوقتي ؟؟
الاجابة لا .. مينفعش
لإن الدولة الثيوقراطية اللى انت بتتكلم عنها دى كانت محكومة من نبي .. هات النبى دلوقتى وانا اقولك اعملنا ياعم دولة دينية و هنمشى زى ما بيقول النبى الرئيس .. يقولنا يمين نروح يمين يقولنا شمال نروح شمال .. النبى بينفذ اوامر ربنا .. لكن انا دلوقتى لو حبيت اعمل دولة دينية هعين عليها شيخ .. حتى لو اعلم علماء الدنيا بالدين والشريعة الاسلامية .. قد يصيب وقد يخطىء لإنه بشر .. وحتى لو افترضنا جدلا انه مستحيل يخطىء فى حكم شرعي .. طب فين باقى مقومات الحكم ( القوي الامين ) .. فين مهارات الادارة و معرفته بالسياسة ومعرفته بالدبلوماسية و و و و إلخ ..
طب هل معنى كلامى دا اننا نعيش بقى فى دولة علمانية ؟؟
قطعا لا .. شكل الدولة اللى المفروض نكون عايشينه دلوقتى هى دولة تكنوقراط .. دولة كفاءات .. وتكون سلطة التشريع فيها محكومة بمؤسسة دينية زي الازهر هى اللى تقول القانون دا موافق للشريعة ولا مخالف للشريعة .. واحد يقوللى طب ما الازهر فيه علماء بيقولوا ينفع تضحي بفرخة وعلماء بيقولوا الرقاصة اللى تخبطها عربية وهى رايحة الشغل شهيدة .. هقولك دول استثناء من قاعدة ..الازهر مؤسسة علمية تقيلة .. وبعدين بلاش نكون دراويش .. خلينا واقعيين شوية .. ايه البديل دلوقتى للازهر .. هاتلى مؤسسة تانية فى مصر يكون عليها اتفاق اكتر من الازهر .. أنصار السنة ؟ الدعوة السلفية ؟ الجمعية الشرعية ؟ كل دول لا يرتقوا ابدا لتحمل المسئولية دى .. مع احترامي للجميع .. الازهر هو اكتر كيان فى مصر محل اتفاق ..
فالخلاصة محتاجين نوصل لدولة تكنوقراط .. دولة مدنية بمرجعية دينية ومراكز حكم تكنوقراطية ..
محتاج كتب اقراء منها التاريخ باسلوب مقارب ل اسلوبك ي دكتور
للاسف معرفش كتب بنفس الاسلوب او كتاب اسلوبهم مقارب
لكن بخصوص حدوتة التاريخ فممكن ترجع لكتاب البداية والنهاية للامام بن كثير او تاريخ الامم والملوك للطبري